استخدام تطبيق "واتساب" في قطاع التشييد.

واتساب في إدارة المشاريع الإنشائية: الأداة "غير الرسمية" التي تحرك المواقع

في عالم إدارة المشاريع، نتدرب عادةً على استخدام برمجيات معقدة مثل (Primavera) أو (MS Project) أو منصات إدارة المستندات مثل (Aconex). ولكن في أرض الواقع، وتحت ضجيج المعدات وغبار الموقع، هناك بطل آخر يعمل في الخفاء ويدير جزءاً ضخماً من التواصل اليومي: تطبيق واتساب (WhatsApp).

تحول واتساب من مجرد تطبيق للمحادثات الاجتماعية إلى عصب حيوي للتواصل السريع في مواقع البناء. هذا المقال يستعرض كيف غير هذا التطبيق وجه إدارة التشييد، وكيف يمكن استخدامه بذكاء مع تجنب مخاطره القانونية والإدارية.

لماذا سيطر واتساب على قطاع المقاولات؟

طبيعة قطاع التشييد تختلف عن العمل المكتبي التقليدي؛ فهي تتطلب حركة مستمرة، وقرارات فورية، وتواصلاً بين أطراف متباعدة (المكتب الرئيسي والموقع).

السرعة الفورية (Real-Time Communication): البريد الإلكتروني بطيء جداً لحل مشكلة توقف صب الخرسانة الآن. واتساب يوفر الحل في ثوانٍ.

التوثيق البصري: "صورة بألف كلمة". بدلاً من وصف عيب في التنفيذ عبر الهاتف، يمكن للمهندس إرسال صورة أو فيديو يوضح المشكلة بدقة.

سهولة الاستخدام: لا يحتاج لتدريب. الجميع، من مدير المشروع إلى مشرف العمال (الفورمان)، يمتلك التطبيق ويعرف كيف يستخدمه.

مشاركة الموقع (Location Sharing): ميزة حيوية لتوجيه شاحنات التوريد أو المعدات الثقيلة إلى بوابات الدخول الصحيحة في المواقع الكبيرة والمناطق النائية.

تطبيقات عملية لواتساب في إدارة الموقع

1. التقارير الحية والمتابعة اليومية

يتم إنشاء مجموعات (Groups) لكل مشروع، وغالباً ما يتم تقسيمها حسب التخصص (مجموعة "الموقع العام"، مجموعة "المكتب الفني"، مجموعة "السلامة").

مثال: يقوم مهندس الموقع بإرسال صور لحديد التسليح قبل الصب مباشرة ليراها الاستشاري ومدير المشروع، مما يمنح "موافقة مبدئية شفهية" تسريعاً للعمل لحين توقيع الأوراق الرسمية.

2. حل المشكلات الطارئة (Troubleshooting)

عند ظهور تعارض مفاجئ في الموقع (مثلاً أنبوب تكييف يعترض جسراً خرسانياً)، يمكن عمل مكالمة فيديو جماعية فورية بين المنفذ في الموقع والمصمم في المكتب لحل المشكلة دون إضاعة يوم كامل في الزيارات.

3. إدارة السلامة والصحة المهنية (HSE)

تُستخدم مجموعات واتساب لنشر تنبيهات السلامة العاجلة، أو الإبلاغ عن الحوادث الوشيكة (Near Misses) لحظياً بالصور، مما يسمح لفرق السلامة بالتدخل السريع.

الجانب المظلم: التحديات والمخاطر

رغم فوائده، يعتبر الاعتماد الكلي على واتساب "كابوساً" لإدارة العقود إذا لم يتم ضبطه، وذلك للأسباب التالية:

1. الحجية القانونية والتعاقدية

القاعدة الذهبية: في معظم العقود الهندسية (مثل FIDIC)، التعليمات عبر واتساب لا تُعتبر أوامر رسمية ما لم يتم تأكيدها كتابياً (Email أو Site Instruction).

الخطر: قد يأمر المالك المقاول بتغيير مواصفات معينة عبر واتساب، ثم ينكر ذلك لاحقاً عند المطالبة المالية، معتبراً أن المقاول تصرف من تلقاء نفسه دون أمر تغيير رسمي (Variation Order).

2. ضياع المعلومات وتشتت البيانات

يصعب البحث في آلاف الرسائل للوصول إلى معلومة تقنية تم ذكرها قبل 6 أشهر. المعلومات في واتساب غير مفهرسة ولا يمكن ربطها بنظام الأرشفة المركزي للمشروع.

3. التوازن بين العمل والحياة

سهولة الوصول تعني أن المهندسين قد يتلقون رسائل عمل وصوراً للموقع في الساعة 11 ليلاً أو في عطلة نهاية الأسبوع، مما يسبب الإرهاق الوظيفي (Burnout).

أفضل الممارسات: كيف تدير واتساب باحترافية في مشروعك؟

للاستفادة من سرعة واتساب دون الوقوع في فخ العشوائية، يُنصح باتباع "بروتوكول استخدام" غير رسمي:

أولاً: قاعدة "ما بعد واتساب"

أي قرار يتم اتخاذه عبر واتساب يترتب عليه تكلفة مالية أو وقت إضافي، يجب أن يلحقه فوراً بريد إلكتروني رسمي أو خطاب يقول: "إلحاقاً لمحادثتنا وتوجيهكم عبر واتساب اليوم بخصوص...، سنقوم بتنفيذ كذا وكذا". هذا يحول المحادثة غير الرسمية إلى مستند رسمي.

ثانياً: هيكلة المجموعات (Group Naming Convention)

استخدم نظام تسمية واضح للمجموعات لتجنب الفوضى.

خطأ: "مجموعة الشغل" أو "مشروع الفيلا".

صحيح: P05-Civil-Team (للفريق المدني) أو P05-Safety-Alerts (للسلامة).

ثالثاً: استخدام واتساب للأعمال (WhatsApp Business)

للمقاولين والموردين، يوفر هذا النسخة ميزات إضافية:

التصنيفات (Labels): لتصنيف المحادثات (مثلاً: "بانتظار الدفع"، "مورد جديد").

الردود السريعة: لإرسال تفاصيل العنوان أو بيانات الحساب البنكي بضغطة زر.

رابعاً: احترام الخصوصية والوقت

الاتفاق داخل الفريق على ساعات "الصمت" إلا في حالات الطوارئ القصوى (مثل حوادث الموقع).

الخلاصة

واتساب في قطاع التشييد هو "أداة تواصل" وليس "أداة إدارة". هو ممتاز لنقل المعلومة بسرعة (Communication)، لكنه سيئ جداً في حفظ الحقوق وإدارة المستندات (Administration).

المهندس الناجح هو من يستخدم واتساب لتسريع وتيرة العمل اليومي وحل المشاكل البسيطة، لكنه يعود دائماً للبريد الإلكتروني والخطابات الرسمية عندما يتعلق الأمر بالأموال، العقود، وتغيير النطاق.